السنور

عُذبت إمرأةً في هرةٍ حبستها حتى ماتت جوعاً فدخلت فيها النار ـ نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ـ

Bild 028 2Bild 028

ملحق الكرامات الأخباري


الناشر : الفقير لله والغني بفيضه ناجي الحازب آل فتله



 

للتواصل

هزائم الأحتلال

أعمال تشكيلية

ثقافة جهادية

ومضات

أخبار الجهاد

موقف في خبر

المستهل

الخبر اليقين

وثائق دامغات

بيانات

كتاب السنور

جرائم الأحتلال

مربط الفرس

ملصقات

مخاطب تنويرية

 

 

 

سجون

محاججات

شعر جهادي

 

الكرامات

سرديات

معركةالحجيرة
 


بقلم:صـلاح أبي محـمد

 

بسم الله الرحمن الرحيم


فيطيب لي في هذا المقال.. تحديثا بأنعم الله على المجاهدين...و تحريضا للأنفس المستيئسة .. أن أقص لإخواني المسلمين أحداث معركة خالدة دارت فصولها على أرض الجهاد بالجزائر في منتصف شهر رمضان الماضي.. و قد قدّر الله لي أن ألتقي في الأيّام القليلة الماضية بالقائد المجاهد" أبي يحيى" أمير المنطقة الثانية و بالأخ المجاهد "مجاهد"،و هما الإثنان من أبطال هذه المعركة لأسجّل منهما القصة التي حاولت الصحافة الحرّة و النزيهة كعادتها أن تتكتّم عنها و تمر عليها مرور الصم البكم الذين لا يعقلون...
بل و لم تكتف هذه الصحافة المنافقة بكتمان الحقائق فحسب و لكنها تزيد الطين بلّة في كل مرة،و تَقْرُنُ الكتمان بالتشويه و التضليل،و تتورّط مع الأجهزة الإستخبارية في نسج روايات كاذبة هي إلى العمل الإستخباري أقرب منها للإعلام... فمن عجائب الخبث الطاغوتي في هذه المعركة بالذات هو قيامه تزامنا مع الحدث بتسريبات كاذبة لوسائل الإعلام مفادها: أنّ أحد أبرز الوجوه التي حضرت الوقعة ألا و هو القائد خالد أبو العباس الأفغاني يجري اتصالات مع الطواغيت و أنه على وشك الإستسلام مع مجموعته،و أذكر حينها أنني هاتفت الأخ "مجاهد" و سألته عن حال الإخوة في الصحراء و ذكرت له ما سربته الصحافة (الحرّة و النزيهة!) فتبسم ضاحكا و قال لي: اضرب المعادلة في (-1) !... يقصد أن الإشتباكات كانت على أشدها بين المجاهدين و عساكر مسيلمة...و أنّ ماسورات رشّاشات الإخوة لم تبرد بعد من كثافة الرماية..فتبسمت أيضا و قلت له أن المشكلة ليست معي في حل هذه المعادلة التي اعتدتها،و لكن المشكلة في عموم المسلمين ممن لا يدركون قيمة هذا المعامل المهم(-1) في التعامل مع الإعلام المنحاز... و لِمَ الذهاب بعيدا!...فهذه غزوة ميناء دلس التي نفّذها فرسان كتيبة الأنصار في الليلة ما قبل الماضية لم تستسغها جريدة الخبر كعادتها.. بل حاولت امتصاص الصدمة التي حلت بالطاغوت بتسريبها في اليوم الموالي للغزوة خبرا كاذبا مفاده استعداد مجموعة كبيرة من مجاهدي باتنة حفظهم الله لتسليم أنفسهم استجابة للمصالحة الوثنية...فقاتل الله الكذب و التزييف المقيت...و أعتذر للقارئ الكريم من هذا الإستطراد الذي أراه مهما لفهم المعالجة الصحافية للإخبار الأمنية عندنا ..و أنّ على إخواني المسلمين أن لا يزهدوا دائما و هم يطالعون الأخبار المشوّهة عن المجاهدين في أن يقوموا بإجراء عملية الضرب السالفة الذكر،و أن يستصحبوا معهم دائما ذلك المعامل المهم(-1) في كل تسريب إستخباراتي عن الأوضاع الأمنية لتتضح لهم الرؤية و تنكشف لهم الحقيقة الموؤودة... و دعنا الآن نبدأ في سرد أحداث معركة "الحجيرة" التي دارت في منطقة صحراوية مكشوفة بالقرب من بلدة الحجيرة جنوب غرب مدينة تُ?ّرت..و تُقّرت هذه هي من ولايات(محافظات) الجزائر و تندرج ضمن منطقة الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا ..هذه الصحراء التي يَعُدُّها الجيولوجيون أكبر صحراء في العالم إذ تتجاوز مساحتها الـ 9ملايين كلم²(حوالي 15مرّة مساحة فرنسا)،و قد كسب المجاهدون خبرة كبيرة في التأقلم مع هذه الصحراء الشاسعة.. و التي يتطلب القتال فيها نوعا خاصا من أساليب حرب العصابات يختلف تماما عن الطريقة القتالية التي يخوضها المجاهدون في شمال البلاد. فإمتلاك السيّارات الرباعية الدفع من نوع تويوتا ستايشن،و توفّر كميات كافية من البنزين و الماء و المعرفة الجيّدة بالأرض و بالخرائط و جهاز الجي بي آس، هي كلّها عوامل ضرورية قصوى للولوج في هذه القفار الصعبة،ثم يأتي التسليح الجيد و أخذ الإحتياطات الأمنية الملائمة التي أصبحت جد ضرورية بعد التحالف الأمني الصليبي الجزائري و الذي تكثّف مؤخرا و جعل من هذه الصحراء شبه قاعدة أمريكية فرنسية ...فلم يعد خافيا على المتتبعين العمالة المفضوحة للنظام الجزائري لأسياده الأمريكان و استعداده لبيع البلاد لحرب المجاهدين،و هذه وسائل الإعلام الداخلية و الخارجية تكشف عن بناء أكبر قاعدة عسكرية أمريكية للتجسس و التنصت في مدينة تمنراست الجنوبية،و معلومات أخرى مؤكّدة تتحدث عن وجود قاعدة أخرى ببوفاريك،بل حتى منطقة حاسي مسعود الواسعة و التي هي القلب النابض للإقتصاد الجزائري قد باعها بوتفليقة للأمريكان و جعلها مستعمرة للأجانب يحرم على الجزائريين دخولها إلاّ بتراخيص، و المقصود من كل هذا أن التحالف الصهيوصليبي تفطن مؤخرا لهذه المنطقة الإستراتيجية الشاسعة و سلّط أقماره الإصطناعية عليها و كثّف من تزويد عملائه المرتدين بالمعلومات الإستخبارتاتية التي يجمعها من وسائل الرصد و التنصت و حركّ عملاؤه في المنطقة و جنّد دول الساحل الإفريقية بأكملها لمحاربة الجماعة السلفية التي أصبحت تشكل تهديدا لمصالحهم الإستعمارية في شمال إفريقية... و يعجب المرء حين يرى هذه الأحلاف القريشية المعاصرة بكل أقمارها الإصطناعية و عتادها و جيوشها و هي تجتمع على هذه الفئة المجاهدة القليلة العدد و العدّة ثم بعد سنوات من التنسيق الحثيث و تبادل الدعم و الخبرات يراها لا تحقق في حربها إلاّ الأصفار المضاعفة..و لا تحصد إلا الأشواك و الصفعات التي تنهال على تلك الأقفية بين الفينة و الأخرى...و يزداد المرء عجبا حين يعلم أنّه منذ ازدياد المعركة بين هذه الأحزاب و المجاهدين قد ازدادت نصرة المسلمين للجماعة و راحت دول المنطقة ترمي بفلذات أكبادها من الشباب الطاهر ليلتحق بصفوف المجاهدين و ينبذ وراءه تلك الحدود المصطنعة التي رسمها الغرب الكافر،فقد اصبح تواجد الشباب الموريطاني و التونسي و النيجيري و المالي بين إخوانهم الجزائريين غصّة في حلوق الكفرة... و لم تكن تلك الجهود المبذولة من الأعداء لتنقص من نشاط الإخوة في هذه الصحاري التي خبروها جيدا بعد سنوات من الحرب الشرسة... فقبل هذه المعركة بقليل كان المجاهدون يطوفون هذه الصحاري شرقا و غربا و تحركاتهم معلومة لدى سكان و أهالي المنطقة ،و تمكنوا بفضل الله من .............................تنفيذ عدّة أكمنة ناجحة لقوات الجمارك و اقتحام الوفد السعودي المرافق للأمير السعودي الشاعر ابن أخت الطاغوت عبد الله (ملك السعودية) و الذي من الطرائف أنّه جاء لإصطياد طائر "الحبارى"الذي يغري أمراء الخليج و إذا به يصطاده المجاهدون و يغنموا سياراته و أسلحته و أمواله رغم تواجد قوات من الدرك لحمايته..و لا ننسى أيضا غزوة بدر موريطانيا المباركة ... هذا فضلا عن الأكمنة العديدة و التفجيرات المتكررة و الإشتباكات الكثيرة التي يتكبد فيها الطواغيت خسائر في كل مرة... و منذ غزوة لمغيطي بموريطانيا لم تتفطن هذه الأحلاف للمجاهدين إلا مرة واحدة في المنطقة الفاصلة بين مالي و الجزائر و دارت معركة كبيرة تمكن المجاهدون خلالها من اسقاط طائرة مروحية و قتل عدد كبير من العسكريين من بينهم ضابط كبير.و هذه المعركة أيضا تستحق أن تُُفرد لوحدها بالسرد،نظرا للقصة العجيبة التي حصلت للمجاهدين فيها بعد احتراق سيارتهم و انحيازهم مشيا على الأقدام... و ظل الإخوة في نشاطهم الدائم بهذه الصحاري إلى غاية منتصف شهر رمضان الماضي و الذي حدثت فيه المعركة التي سنتناولها بشيء من التفصيل.. و قد كان تواجد الإخوة في هذه الأرض القاحلة القريبة من بلدة الحجيرة في منتصف شهر رمضان الماضي للقيام بالمهمة الجهادية (س)،و كان عددهم 14مجاهدا منقسمين على سيارتين من نوع تويوتا ستايشن،و قد كان من ضمنهم 3من القادة البارزين و من أعيان الجماعة و هم القائد خالد أبو العباس الأفغاني(أمير المجموعة)،و القائد عبد الحق (أمير الشرق)،و القائد يحيا أبو الهيثم المعروف بأبي يحي(أمير المنطقة الثانية)،و باقي الإخوة هم:مجاهد، أبو إسحاق(موريطانيا)،حمزة(موريطانيا)،عزّام(مالي)،أحمد (تونس)،عمر الأسد(من المنطقة التاسعة)،عمر (واد سوف)،هارون(الأغواط)،حسان(باتنة،إدريس(تبسة)،هارون(الأخضرية ..
فأما الإخوة الجزائريين فأغلبهم من القادة و من قدماء المجاهدين،و أما الإخوة الموريطانيّين و المالي و التونسي فهم من الشباب الجهادي الذي التحق منذ فترة وجيزة بجبهة القتال في الجزائر نصرة لإخوانهم و آداءًا لفريضة الجهاد العينية..و قد قدّر الله لهم أن تكون بداية جهادهم ساخنة يحسدهم عليها كثير من المجاهدين.. فمنهم من شارك مباشرة في غزوة لمغيطي كالموريطانيين و منهم من شارك في المعركة الأخيرة في الحدود الجزائرية و المالية كالأخ أحمد التونسي ثم هاهم اليوم يكتب الله لبعضهم أيضا أن يتشرفوا بهذه المعركة ليظيفوا لرصيدهم تجربة أخرى و يكسبو معها أجر العيش تحت ظلال السيوف.. تسليح الإخوة كان متوسطا فإظافة للكلاشنات الفردية كان بحوزتهم سلاح مضاد للطائرات من نوع دوشكا و آربيجي7و بيكا و كمية لا بأس بها من الذخائر.. لم يلاحظ الإخوة خلال تلك الأيّام أي تحرك غير عادي لقوات العدو،و قد أنجزو عدة مهام في تلك الفترة بتوفيق من الله. و بعد تناول السحور في تلك الليلة و ارتشاف الشاي ذو النكهة الخاصة ،ثمّ آداء صلاة الصبح بدأت الأشعة الأولى لشروق الشمس تنساب ببطء مع الأفق الصحراوي لترسم مشهدا خلابا يدفع من أجله السواح الأجانب آلاف الدولارات ليتمتعوا ببضع دقائق منه..بينما المجاهدون لسنوات عديدة، و بدون ثمن، يتمتعون به تصديقا لقول نبيهم صلى الله عليه وسلم :«و سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله» ...فكم جاب هؤلاء الأسود واحات الطاسيلي الرائعة.. و كم طافوا جبال الهُ?ّار ذات الجمال الأسطوري، و تمتعوا برونقها و شاهدوا غروبها الساحر الذي تُشدّ إليه رحال بني الأصفر... و كم اصطادوا الغزلان و الضباء و تيس "الأروي" النادر..و كم ألفوا طير الحبارى الملكي الذي يتسابق عليه أمراء البذخ الخليجيين و يسافرون للجزائر لأجل اصطياده...بينما المجاهدون بفضل الله وحده.. يتمتعون بأجر الجهاد و بالسياحة الممتعة رغم أنوف طواغيت العرب و العجم...
كان صباح ذلك اليوم معتدلا و كان المجاهدون كعادتهم في كل صباح.. يبتدؤونه بقراءة وِردهم من الأذكار و القرآن ثمّ منهم من يجلس للتدفئة حول موقد النار المشتعل و آخرون يتابعون أخبار الصباح عبر المذياع... و ما هي إلا دقائق معدودة حتى تفاجأ الإخوة بمرور طائرة عمودية فوق المنطقة المتواجدين فيها،و كانت على علو مرتفع ،مرّت مرة ثم انقلبت راجعة من حيث أتت..لم يشك الإخوة لحظة في أنّ الأمر غير عادي..فهم الذين شابت شعورهم في حرب هؤلاء الأنجاس يعلمون جيدا الفرق بين الطائرات المدنية و كيفية تحليقها و طائرات الطواغيت الخاصّة بالإستطلاع..فهرع القادة لتشغيل المخابر ليسمعوا الطيّار و هو يبلغ الوحدات العسكرية القريبة من المنطقة بكشفه لمكان تواجد الإخوة فلم يضيع الإخوة الوقت و بدأوا في الإستعداد للوضع الطارئ.. كان من عادة المجاهدين في حالات مماثلة أن يبدأوا في التمويه الجيد للسيارات ثم ينطلقوا ليغيروا مكان تواجدهم عساهم يجدوا مكانا آخرَ أحسن لوضعية القتال فلما قطعوا مسافة لا تتعدى 15 كلم سمعوا بأصوات تحليق المروحيات فوقهم فأوقفوا السيارات و أسرعوا في النزول و بدأ القائد أبو العباس في إعطاء التعليمات العسكرية و كان أول شيء قام به الإخوة هو تفريق السيارتين عن بعضهما و تركيب الدوشكا على إحداهما ،ثم تكليف الأخ حسان مع هارون بهذه الدوشكا لكونهما يجيدان استعمالها..بعدها أخذوا في فتح تشكيل دائري لأنهم يعلمون أنه بعد القصف سيكون هناك إنزال لقُوّات المضلِّيين لمحاولة تطويق الإخوة على شكل حلقات متتالية... كانت الوضعية صعبة للغاية و كل الظروف لصالح العدو...فالأرضية صحراوية مستوية على مد البصر و ليس فيها البتّة سواتر و لا حفر و لا حتىّ صخور... و السيارات قليلة..و الزمان هو الصباح الباكر و لا زال هناك وقت طويل لهبوط الليل... و بالمقابل فقد كانت معنويات الإخوة جد مرتفعة فهم في منتصف شهر رمضان المبارك،شهر الجهاد و الإستشهاد و لا يفرقهم عن مناسبة معركة بدر إلاّ يوم أو يومين ..و أكرم بمعركة بدر التي أبلى فيها الصحابة رضوان الله عليهم بلاءًا حسنا، و ظلّت من بعدهم تمدّ قوافل الفئة المجاهدة بمعني الإستبسال أمام زيف الباطل المتبجح...ثم هاهي عروس الشهادة تتراقص أمام أعينهم الآن، و تستحثّهم أيّهم يعانقها و يفوز بوصالها ..و هم المكدودون من غبار المعارك و قسوة الإبتلاءات.. الباحثون منذ سنين عن هذه العروس لتهدهد عنهم آلام الغربة و يلحقوا بالأحبة محمدا و صحبه... هؤلاء الفرسان مشكلتهم الرئيسية هي في أجواء الدَّعة و الرَّخاء... و أما القتال و النزال فهو من صنعتهم و هم أهله..بل و فيه ذهاب همِّم و حُزنهم.. و فيه شفاؤهم و دواؤهم و كأن المتنبي يصفهم فيقول:
يَقولُ لي الطَبيبُ أَكَلتَ شَيئاً وَداؤُكَ في شَرابِكَ وَالطَعامِ
وَما في طِبِّهِ أَنّي جَـــوادٌ أَضَرَّ بِجِسمِهِ طولُ الجِمامِ
تَعَــوَّدَ أَن يُغَبِّرَ في السَرايا وَيَدخُلَ مِن قَتامِ في قَتـامِ
...كانت هذه المشاعر تسيطر على أغلب الإخوة...لكن كان ثمّة أمر واحد يؤرقهم..و سيبذل كل منهم قصارى جهده لتحقيقه...فالفوز بالشهادة هو مبتغاهم و أمنيتهم.. و لكن ياحَبّذا لو ساق كل واحد منهم قطيعا من المرتدين ليرمي به في رحلته الأخيرة في جهنّم و بئس المصير...ثمّ بعدها يتفيّؤ هو ريحان الجنة و قد شُفيت صدور قوم مؤمنين... ما لبثت هذه المعاني تساور الإخوة و هم ينظرون لبعضهم البعض و يحرض بعضهم بعضا و قد ارتسمت على وجوهم المشرقة أسارير الإستبشار حتى كانت المروحيات فوق رؤوسم و دخلت في مرمى نيرانهم،و قد كان كل منهم قد أخذ مكانه و شدّ يده على مقبض رشاشه و إصبعه على الزناد بينما شفتاه تلهج بذكر الله و بالدعاء و التضرع لله أن يثبّت أقدامهم و يمدّهم بمدد من عنده...
كانت عقارب الساعة تشير للساعة السابعة و النصف صباحا و كان أوّل ما فعلته المروحيتان عند وصولها فوق رؤوس الإخوة هي قيامها بدورتين ثم بدأت بقصف صواريخها مباشرة على الإخوة الذين كانوا مكشوفين لها تماما و ليس لهم أي سواتر ،فلم يمهلها الإخوة بل بدأو مباشرة في صليها بنيران رشاشاتهم التي بدأت تزغرد و تقترن بصوت الصواريخ المدوي لتُكوِّن سَمْفونية قوية رائعة..ثم تكرر قصف الصواريخ التي بدأت تتهاطل بين جنبات الإخوة و أحدثت غبارا أطيبا مرتفعا...ذلك الغبار الذي لا يدرك قيمته إلاّ المجاهدون في سبيل الله ...حتى أكبر العُبّاد و العلماء القاعدون لا يُدركون قيمته الغالية التي تفوق التبر قدرا و ثمنا ..فهو المادة التي خصّها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر حين قال :" من اغبرت قدماه فى سبيل الله حرّمهما الله على النار و هو نفسه الغبار الذي ذكره في حديث آخر "لا يجتمع غبار فى سبيل الله ودخان جهنم فى وجه عبد ابدا" ثم جاء بعد ذلك الإمام المجاهد ابن المبارك ليكشف كُشوفا كيماوية جديدة لهذه المادة قائلا:
ريح العبير لكم و نحن عبيرنا وهج السنابك و الغبار الأطيبُ
واصل الإخوة في إطلاق النيران بكثافة و كان هارون و حسان كلما رأيا اقتراب المروحيات و بِدْءَها في إطلاق الصواريخ أطلقا العنان للدوشكا لتدخل هي الأخرى الأوركسترا و تظيف لحنا جميلا مغايرا للسمفونية الرائعة..ثم ما هي إلا دقائق حتى وصلت مروحيتان أخرتان ليصبح المجموع أربعة و بدأت كلها ترمي بحممها فوق رؤوس الإخوة الذين أصبحوا لا يتراءى بعضهم لبعض و لا يسمع بعضهم تكبيرات بعض من شدة القصف المتهاطل فوق رؤوسهم و قوة الإنفجارات المتكررة ...
جُبْنُ الطيّارين الذين امتلكهم الرعب في هذه المعركة كان يدفعهم للإرتفاع عالياً لتَجنُّب نيران الإخوة.. و أصبح منظرا مضحكا حقاً لسلاح الجو الجزائري و هو يجبن أمام هذه الفئة القليلة و يرتفع سريعا محلقا بعد كل إفراغ لشحنته من القصف...و كان الإخوة من شدة قصف الصواريخ التي راحت تنفجر عن أيمانهم و عن شمائلهم يتحسس كل منهم نفسه و ينفض الغبار و لا يصدق أنّه مازال على قيد الحياة..حتى أنهم ألفوا هذا القصف المتهاطل و أصبحوا بعد انقشاع كل عُجاجة من الغبار يتزاورون فيما بينهم و يتفقد بعضهم بعضا ليتفاجأوا أن الجميع بخير لحد الساعة و أنه لم يجرح لحد الآن أي واحد من الإخوة فهل هي حقيقة أم حلم ؟ يتساءل كل منهم في نفسه...ثم ازدادت إلفتهم لذلك القصف العنيف و لتلك الصواريخ المرتشقة بين جنباتهم حتى أنهم لم يعودوا ليعيروها اهتماما مطلقا.. فإنما هي نفس واحدة و ستخرج عندما يحين أجلها .. و صارحالههم كما وصف أبو الطيب:
رَمـاني الدَهرُ بِالأَرزاءِ حَتّى فُـؤادي في غِشاءٍ مِن نِبالِ
فَصِرتُ إِذا أَصابَتني سِهامٌ تَكَسَّرَتِ النِصالُ عَلى النِصالِ
وَهـانَ فَما أُبالي بِالرَزايا لِأَنّي ما اِنتَفـَعتُ بِأَن أُبالي
واصل الإخوة استبسالهم في المواجهة و اشتدت المعركة و واصلت المروحيات الأربعة قصفها المتواصل و كانت كلما أفرغت حمولتها من الصواريخ ذهبت لمطار ورقلة العسكري لتجديد الحمولة ثم ترجع بسرعة لتتناوب فيما بينها على القصف المستمر،بينما طائرة الإستطلاع العمودية تواصل تحليقها عاليا بإستمرار.. لم يبخل الإخوة على هذه المروحيات الجبانة بكرم فوهات رشاشاتهم فقد كانت بجنب كل واحد منهم أكداس من الذخيرة حتى أن "مجاهد" حدثني أن كل واحد من الإخوة رمى أكثر من ألف طلقة هذا ناهيك عن قذائف الآربيجي التي كان يطلقها الإخوة على الطائرات كلما إقتربت فتسرع مرتفعة في السماء...و بعد مرور حوالي ثلاث ساعات قامت المروحيات بعملية إنزال للمضليين على مسافة بعيدة نوعا ما من الإخوة ،و فرّقت إنزالها على ثلاث جهات ليتم تطويق الإخوة على شكل دائري ثمّ واصلت قصفها بالصواريخ... الساعة الآن تشير لمنتصف النهار و قد مرّ على المعركة أكثر من أربع ساعات متواصلة لم ينقطع فيها القصف و لا رماية الإخوة و تكبيراتهم..و سمع الإخوة عبر المخابر استنجاد الطائرات الأربعة و طلبها للمدد من ثكنة الطيران القريبة ...فاستغل الإخوة الفرصة لتغيير مكانهم عساهم يجدوا مكانا أفضل فانتقلوا لمسافة حوالي 2كلم ليجدوا مكانا آخر أحسن من الأول ووجدوا فيه مَعْلَمًا شِرْكِيًا..فموّهوا السيارات و أسرعوا بفتح التشكيل الدائري و أخذ وضعياتهم القتالية الجديدة ثم ما هي إلاّ لحظات حتى وصلت المرحيات الأربعة و انظاف إليها 6 مروحيات أخرى لتدعيمها و من بينها 02 من نوع كوبرا فأصبح المجموع 10مروحيات تحلق فوق رؤوس هذه الفئة القليلة من المجاهدين،و راح القصف يتزايد و المعركة تشتد بشراسة هذه المرةّ... و قد أدرك الطواغيت أنهم لم يؤثّروا في الإخوة و لم يصيبوا منهم فأرسلوا لثكنة المضليين ببسكرة يطلبون هذه المرة نوعا خاصا من الصواريخ الموجهة بالليزر...
قدّر الله في هذه الأثناء أن تتعطل الدوشكا للحظات قصيرة و كانت مروحية الكوبرا المزودّة بهذا النوع من الصواريخ قد اقتربت أكثر من الإخوة مستغلة تلك الثغرة و يبدو أنّ تركيزها كان على السيارات لأهميتها في هذه الصحراء الشاسعة،و لكونها أيضا تحمل الدوشكا...و لم تمهل الإخوة لإصلاح العطب بل عاجلتهم بصاروخ أصاب مباشرة السيارة التي كان على متنها حسان و هارون فإنفجر الصاروخ في السيارة وسقط الأخوان منها و أحترقت السيارة بأكملها و معها الدوشكا إلاّ أن المفاجأة الكبرى هو أن الأخوين بعد سقوطهما لا زالا على قيد الحياة فأما حسان فقد أصيب بحروق في جسمه و أما هارون فقد أصيب بحروق إضافة لشضيّة في جسده و رغم ذلك فقد استطاعا أن يتحاملا و يبتعدا عن السيارة المحترقة لتنفجر بعد ذلك نتيجة الذخائر التي كانت تحملها... لم يمر وقت طويل حتى أصاب صاروخ آخر السيارة الثانية لتحترق بعدها و تصبح وضعية الإخوة صعبة للغاية.. فهاهي الآن هذه الحفنة من المجاهدين الشعث الغبر كحلقة ملقاة في فلاة شاسعة... و هم الآن في هذه الصحراء بدون سيارات.. و قُوّات المضليين تحيط بهم و المروحيات العشر تقصفهم من فوقهم بدون انقطاع..بينما أقمار السيد الأمريكي تتابع كلب الردة الجزائري.. هل سيؤدي دوره بتفانٍ أم أنه سيقصّر في حماية أسياده من هؤلاء الإرهابيين ...ثم انظاف لهذا كله الحالة الخطيرة لحسان و هارون بعد إصابتهما بذلك الصاروخ...و في الحقيقة أن من يدرك حقيقة هذه الصحراء و يعلم معنى فقدان السيارات فقط، يكاد يجزم أن إحتمالات الخروج من هذا الطوق هي شبه معدومة..حتى أن القادة المجربين لهذه الحالات كخالد و عبد الحق و أبي يحيا لم يكونوا يشكون و لو لحظة واحدة في أن نيل الشهادة في هذه المعركة هو مسألة وقت لا أكثر..و قد حدثني أبا يحيا أنه خلال الإشتباك سأله الشاب الموريطاني الذي لم يمر عشرون يوما على إلتحاقه بالمجاهدين قائلا:أنت بصفتك ذا خبرة في هذه المواجهات هل ترى هناك إمكانية لفك هذا الطوق و الخروج من هذا الحصار فتبسمّ أبا يحيا ضاحكا و قال له:و الله يا أخي ليس لي أدنى احتمال في البقاء على قيد الحياة و مرحبا بالشهادة و هيئ نفسك لمعانقة الحور العين و انسى هذه الدنيا .. فتحرضّ الشاب الموريطاني و راح يُكبِّر و يرمي على المروحيات برشاشه... استطاع الإخوة في هذه الأثناء أن يُجروا اتصالا هاتفيا مع مجموعة أخرى من المجاهدين كانوا بعيدين عنهم (سرية عبد الحميد) و قد أخبروهم أنهم الآن محاصرون و أنّ عليهم أن لا ينسوهم بالدعاء و تسامح الإخوة عبر الهاتف و أوصى بعضهم بعضا ،حتى أن الأخ أبا يحي طلب من الإخوة إحظار جهاز تسجيل و بدأ في تسجيل وصيته عبر الهاتف فكانت أول وصية عبر الهاتف،ثمّ حرض الإخوة بعضهم بعضا و استوصوا خيرا بالجهاد...كل هذا و أصوات الرصاص و التفجيرات مستمرة و يسمعها الإخوة أثناء المكالمة...و قبل الختام ذكر عبد الحميد للإخوة أنه إذا حلّ الليل و كتب الله لهم النجاة فعليهمأن يتوجهوا للمكان (س) و سيغامر الإخوة بإحضار سيّارة و محاولة الوصول إليهم و إخراجهم من منطقة الحصار فكانت تلك آخر المكالمة... الآن و بعد أن أصيبت السيارات دخلت المعركة في طور جديد... فأما الطواغيت فكأنهم اطمأنوا من أنهم كسبوا نصف المعركة فبدأوا بمحاولة الهجوم البري على الإخوة بدفع المضليين الذين تم إنزالهم مع توفير تغطية جوية لهم بالقصف الصاوروخي...و أما الإخوة فقد ازدادوا استبسالا لأن آخر بصيص لكسر الطوق كان قد تبخّر مع السيارات المحترقة.. فلا أقلّ إذا من تكبيد هؤلاء الأنجاس خسارة تكدّر عنهم فرحة النصر...و لقد كان منظرا جديرا حقا بالمشاهدة لرؤية المضلّي الجزائري الذي أحاطه الطواغيت بهالة من التظخيم بينما هو الآن أشبه بالبالونات الممتلئة هواءً ما إن ينغزه جنود الله بصلية من رشاش حتى تراه مولّيا هاربا و له ضراط... و كان الإخوة يتنافسون بينهم في قنص هذه البالونات الممتلئة ريحا..فهذا "مجاهد" وحده قال لي أنه من جهته فقط سقط ثلاثة مضليين و قد رآى كيف نزلت المروحية لإنتشال الجيفة الأولى بعد اصابتها..و هكذا كل واحد من الإخوة قد أسقط من جهته ما تيسّر من هذه البالونات العجيبة... و من الطرائف التي ذكرها لي "مجاهد" أنّه ألفت نظره الشاب أبو اسحاق الموريطاني الذي لم يمر على التحاقه 20يوما كما ذكرت،و هو الشاب عديم الخبرة من قبل، إلاّ أنّه ثبت ثباتا عجيبا... فمنذ أن أخذ وضعيته القتالية و تكلّف بثغره و جهته، لم يرتبك و لو لحظة واحدة ..حيث كانت الصواريخ ترميه مباشرة على مقربة من أمتار منه إلا أنه لم يرتبك و لم يغير مكانه المكشوف و ظل يواجه تلك الطائرات حينا، و يرمي على أولئك المظلييين حينا آخر، حتى انهزموا من أمامه و لم يتقدموا بعدها أبدا، ليُثبت لأقرانه بصنيعه هذا أنّ شباب الجهاد الطاهر أشجع ألف مرة من هذه البالونات التي ما أنشئت إلاّ لحماية أعداء الأمّة... تواصلت المعركة على هذا المنوال و كانت قوات المظليين قد تكبّدت خسائر كبيرة و تملكها الرعب فلم تجد بدا من تطبيق فلسفة النعامة ..إذ أنهم جميعهم انبطحوا و تسمّروا في أماكنهم و لم يستطيعوا التقدّم ولو مترا واحدا بعد أن رأوا رشاشات الإخوة و هي تهديهم رصاصات الموت...فما كان من المروحيات إلاّ تكثيف القصف للنيل من الإخوة و استمرت المعركة هكذا... قصف متواصل و رمي مستمر من الإخوة حتى بدأت الشمس بالغروب...و قد اضطر الإخوة خلال ساعات الإشتباك الطويلة لتأدية الصلوات المتعاقبة على حالاتهم القتالية(صلاة الطالب و المطلوب) حتى أنّ كثيرا منهم كان يصلّي و يرمي على المروحيات في آن واحد... مع اقتراب غروب الشمس كان الإعياء قد أخذ من الإخوة مأخذا ،و قد أنهكهم القصف و الإشتباك المتواصل..و بدأ الإخوة في الترصد بمناظيرهم لعلهم يجدون ثغرة في الطوق الذي يضربه المضلييّون من حولهم... و بعد استطلاع جيد تمكنوا من تحديد الثغرة المناسبة..
بدأ الليل الآن يرخي سدوله ..فتوقفت المروحيات عن القصف و واصلت طائرات الإستطلاع التحويم فوق رؤوس الإخوة ...فاستغلّ المجاهدون الفرصة ليجتمعوا و يطمئنّوا على بعضهم و يدرسوا الوضعية ...اندهش الإخوة لعدم اصابة الباقين بأي جرح و لم يصدقوا أعينهم و علموا أنها كرامة من الله سبحانه...إلاّ أنّ وضعية حسان و هارون كانت صعبة نوعا ما ...و خاصّة حسان الذي كان من قبل المعركة مصابا في رجله فزادت الحروق من إصابته و لم يعد بإمكانه المشي..بينما هارون رغم اصابته إلاّ أنه يستطيع التحامل على نفسه و التحرك ببطء...فما كان من الإخوة إلاّ أن يعقدوا حلقة للتشاور في الوضع و لتقليب الأمر من عدة وجوه ... و قرّروا اثرها أن يتوكلوا على الله و يحاولوا الخروج من هذا الطوق مشيا على الأقدام حتى يبلغوا المكان الذي ذكره لهم عبد الحميد في الهاتف باستعمال الترميز الخاص بينهم... كانت الخطة أن يسير الإخوة مسافة معينة باتجاه الشرق تمويها على العدو.. ثم بعدها ينحازوا إلى الإتجاه المطلوب..و بالفعل بدأوا بفتح التشكيل و انطلقوا في المسير و كان قد سبق إلى الأمام الأخ "مجاهد" مع القائد خالد لتأمين المقدمة..و كان الإخوة رغم الإنهاك الشديد و الحالة الصعبة يتناوبون على حمل الأخ حسان على أكتافهم...و ما هي إلا ثلاث كيلومترات حتى توقف الإخوة و لم يستطيعوا مواصلة السير فقد كان الأمر فوق طاقتهم و كانوا بين أمرين كلاهما مُرّ،إماّ أن يواصلوا السير بدون حسان...أو أن يبقوا داخل الطوق حتى اليوم الموالي...و كان قرارا صعبا إلاّ أن حسان طلب من الإخوة أن يتركوه و يزودوه بالماء و يواصلوا هم فلعلّ الله ينجيهم...فما كان من الإخوة إلاّ أن زوّدوه بكميّات قليلة من الماء و أرشدوه لأن يحاول الإبتعاد قدر الإمكان من أثر أقدامهم ثم بعدها يحاول بحربته حفر خندق و يموّهه قدر المستطاع ثم بعد يومين إن كُتب لهم البقاء فسيحاولون الرجوع إليه بالسيارة..و لم ينس الإخوة تسجيل إحداثيات ذلك المكان في جهاز الجي بي آس قبل انطلاقهم...و بعد لحظات مؤثّرة من الوداع انطلق الإخوة و في قلوبهم غصة من تركه إلاّ أنه لم يكن هناك خيار آخر لتقليل الخسائر...فهم الآن في صراع مع الزمن لأجل الخروج من منطقة الحصار قبل طلوع الفجر... و فرصتهم الوحيدة هي الوصول للمكان المتفق عليه و الإلتقاء بعبد الحميد الذي سيحضر السيارة.. انطلت الخدعة على الطواغيت و ظنوا أنّ اتجاه الإخوة هو الشرق فركّزوا قوتهم و أنظارهم هناك بينما الإخوة كانوا قد غيروا الإتجاه و استطاعوا بذلك أن يتفادوا القوات البريّة المتواجدة بكثرة و ساعدتهم تلك الثغرة التي كانوا قد استطلعوها من قبل..ثم بدأوا في الإتصال مع عبد الحميد الذي كان قد أبلغ الأخ حمزة بالقضية فقرّر نجدة الإخوة مهما كان الثمن...فإنطلق بعد غروب الشمس و واصل مسيره بالتويوتا و كان برفقته اثنين من الإخوة...بينما الإخوة الآخرين يواصلون مشيهم على الأقدام بإتجاه سيارة حمزة حيث تواصلا عبر الهاتف بالترميز الخاص و اتفقا على نقطة اللقاء...مرّت الآن حوالي ثلاث ساعات من المشي ثم ما لبث الإخوة أن سمعوا نباحا للكلاب بعيدا نوعا ما عنهم فاستبشروا خيرا و علموا أنّ ثمّة أحد الأعراب يسكن في هذه المنطقة النائية.. إلا أنّهم لم يحدّدوا اتجاهه جيدا فأطلق أحد الإخوة رصاصة كي يسمعها الكلاب فبدأوا في النباح ثانية و استطاع الإخوة بذلك تحديد اتجاههم جيدا ثم انطلقوا نحوهم...و بعد مشي مسافة 10كلم وصلوا إلى خيمة ذلك الأعرابي فأكرمهم و سدّوا رمقهم من الجوع الذي لازمهم خلال يوم المعركة و رووا ضمأهم من حليب الناقة..ثم انطلقوا من جديد ..و كان حمزة الآن بسيّارته لا يفرقه عنهم إلا حوالي 5 كيلومترات ثم بعد مدّة من المشي و التنسيق بالهاتف بدأ الإخوة يسمعون هدير محرك التويوتا و هو يشق صمت ذلك الليل البهيم... و قد كان حمزة لخبرته الفائقة يسوق السيارة بدون أضواء إذ أنه يستحيل في حالة مماثلة استعمالها مع وجود قوات العدو المنتشرة... لم تمض إلاّ لحظات قليلة حتى التقى حمزة بالإخوة فبدأ الجميع في التكبير و كان أمرا لا يصدق..و حمدوا الله على مدده و حفظه..ثم استقلّوا السيّارة و حمّلوها ما لا تطيق ..فقد كان عدد الجميع الآن هو 16 مجاهدا فاظطر البعض منهم للركوب فوق السقف و البعض الآخر تعلّق بجنباتها ثم انطلقوا من جديد و قد قرب طلوع الفجر و ما زالوا لحد الساعة لم يخرجوا بعد من منطقة الحصار تماما، بل كان لا بد أن يتعدُّوا أحد الطرق المعبدّة المعروفة حتى يفكوا الحصار...
طائرات الإستطلاع في تلك الليلة لم تتوقف لحظة واحدة في التحويم فوق المنطقة، و كان الإخوة كلما اقتربت من فوقهم يوقفون السيارة و يكمنوا حتى لا ترصدهم بكاميراتها الليلية..ثم إذا ابتعدت ينطلقوا من جديد.بعد مدة من السير قطع الإخوة ذلك الطريق و دخلوا في منطقة صحراوية أخرى يعرفها الإخوة جيدا و كان الفجر قد بدأ في البزوغ..فتوقف الإخوة بعدها و صلّوا صلاة الصبح ثمّ بدأوا في مراقبة المنطقة بعد طلوع النهار. كان أول ما لفت أنظارهم هو اتجاه المروحيات مع الصباح الباكر نحو مكان المعركة لمواصلة تمشيط المنطقة بحثا عن المجاهدين و كان الإخوة الآن قد اطمأنوا أنهم خرجوا من دائرة الحصار فحمدوا الله و مكثوا يسترجعون قواهم المنهكة... و بقدر فرحة الإخوة بفك الحصار و نجاتهم إلاّ أنهم كلما تذكروا حسان و حالته الخطيرة التي تركوه فيها يتكدّر صفوهم،فلبثوا يومين بلا حراك في هذا المكان ثم في اليوم الثالث قرّروا المغامرة و محاولة الرجوع لإنقاذ حسان فمن المؤكد أن كمية الماء التي كانت بحوزته تكون قد نفذت...و تطوع أربع إخوة لتنفيذ المهمة الصعبة رغم أن قوات العدو لا زالت منتشرة بكثافة في المنطقة و آثارهم موجودة في كل مكان... انطلق القائد أبو العباس و مجاهد و حمزة و هارون لتنفيذ المغامرة و استقلوا السيارة في الليل و خلال ساعات من السير الليلي الحذر و بدون أضواء تمكن الإخوة بفضل الله من الوصول لمكان حسان مستعينين بجهاز الجي بي آس،و بمجرد وصولهم بدأوا يُنادون عليه بصوت عالٍ عساهم يجدونه فأجابهم بسرعة و فرح الإخوة كثيرا لوجوده على قيد الحياة فلم يضيعوا الوقت كثيرا في أخذه ثم الإنطلاق راجعين من حيث أتوا و قبيل الفجر بقليل وصلوا لمكان الإخوة فوجدوهم كلهم في الإنتظار إذ أنهم لم يذوقوا طعم النوم ترقبا لرجوعهم...و ما أن رأوا حسان حتى بدأ الجميع بالتكبير و عمّتهم فرحة كبيرة و حمدوا الله على حفظه و تأييده... لقد كانت بحق نهاية غير متوقعة لأحداث معركة يُجمع من علم حيثياتها و بدايتها أن تكون نهايتها بهذا الحفظ الإلهي و بتلك الخسارة التي خسرها العدو من أرواح و جهود ضائعة...
...لقد جاءت معركة الحجيرة لتكشف معالم اللطف الإلهي بالمجاهدين ،و تكشف معها أيضا أن مسيرة الجهاد المبارك هي مسيرة مأمورة ..يرعاها الله بحفظه..و ينصرها بنصره..و أنّ ما أخطأ المجاهدين ما كان ليصيبهم و لو اجتمعت عليهم قوى الكفر بأجمعها... فقد اجتمع في هذه المعركة ثلاثة من القادة و كان قتلهم سيشكّل ضربة مؤثّرة في المجاهدين.. إلاّ أن الله سبحانه أراد أمرا آخر لحكمة يعلمها..
و في هذه المعركة انكشفت الصورة الزائفة لجيوش الردة و للحلف الصليبي الذي يدعمها بتقنياته و تمويله.. فهاهي حفنة من شعث غبر تركل هذا الحلف النكد على مؤخرته و تلقنه درسا قاسيا.. و تفلت من حصاره ،رغم جيشه و طائراته و أقماره...و هاهو شباب لم يمر على هجرته 20يوما يُعَلِّم قوّات المضليين و مروحيات الكوبرا كيف يكون الإستبسال و البطولة على طريقة المجاهدين... ثمّ هاهي مقولة خالد ابن الوليد tحين قال و هو محتضر:« لقد حضرت كذا وكذا غزوة..وإن ببدنى بضعا وثمانين ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم وهأنذا أموت على فراشى كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء»...هذه المقولة الصادقة هاهي ماثلة أمام المجاهدين اليوم .. يعيشونها واقعا كل حين.. فهؤلاء الإخوة كثير منهم قد هشّم عظمه الرصاص و عضّت جسمه شضايا القصف وفقد بعض أعضائه.. و مازالوا أحياءًا للعام الرابع عشر من جهادهم..فهذا أمير الجماعة أبومصعب حفظه الله تصيبه شضيّة في صدره من قذيفة هاون و بكرامة من الله كان المصحف الذي بجيبه سببا في نجاته..و هذا أبو العباس خالد الأفغاني الذي فُقِئَتْ عينه في سبيل الله في الجهاد الأفغاني و شهد عشرات المعارك بالجزائر لا زال حيّا رغم تلك المسيرة الملتهبة..و هذا أبو يحي الذي أصيب أكثر من مرّة ثم ينجيه الله...و لن أتتبع الحالات الكثيرة التي هي أشهر من هذه ويصعب عليّ عدّها.. و التي محصلتها تصديق مقولة خالد بن الوليد t... فليس الجهاد هو الذي يقتل الناس.. و هاهي الإحصائيات خير دليل.. فكم مات من الناس حتف أنوفهم في حوادث الطرق و بالزلازل الأخيرة و التسونامي ناهيك عن الأمراض و الأوبئة...فلا نامت أعين الجبناء... و كم سنخسر من الوقت الضائع لتدرك أمّة الإسلام المخدّرة أنّ هذا الحلف النكد الذي يجثم فوق صدورنا و يقتات من دمائنا و آلامنا..و يقتل إخواننا في كل شبر.. و ينتهك أعراضنا في كل ربع..هو أهون و الله بكثير ممّا يتصوّره الناس...و هو أجبن و أحقر من أن يواصل دوسنا بأرجله القذرة لو عزم الناس العزمة الصادقة و لم يرضوا بالحياة الدنيا من الآخرة..و حرصوا على موتة العزّة لتوهب لهم الرفعة في الدنيا و في الآخرة... و قبل الختام أود أن أسجّل للقارئ الكريم أنني بقدر فرحتي بحفظ الله للإخوة و بالنصر الذي تحقق لهم إلاّ أنني حزنت كثيرا على فقدان شريط الكاميرا الذي يحوي تسجيل غزوة بدر موريطانيا ،و الذي ضاع في السيارة بعد أحد الإشتباكات التي وقعت للإخوة مع الطواغيت،و كانت تلك هي النسخة الأصلية و لم يكن هناك نسخة منها...و لقد كان شريطا رائعا و كنت أنتظره لبثّه على الموقع كما وعدت ....لكن قدّر الله و ما شاء فعل..فمعذرة لإخواننا ممّن بلغهم الوعد و لعلّها تكون عبرة لإخواننا من المجاهدين حتّى يُعطوا قيمة أكبر لهذه الأشرطة التي ضاع الكثير منها بسبب نقص الإهتمام بهذا الجانب و الله المستعان..
فاللهم انصر المجاهدين و أخذل الكفرة و المرتدّين...و صلّ اللهم على سيدنا محمّد و على آله و صحبه و سلّم

نشر ربيع الأول 1430 هـ ـ مارس 2009 م